التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مسيرة العودة الكبرى .. أيقونات خالدة



 ØµÙˆØ±Ø© ذات صلة

منذ يوم الأرض الفلسطيني ومسيرات العودة الكُبرى مُستمرة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، لم يكل النّاس من التظاهر سلميًا لأجل المطالبة بحق العودة إلى فلسطين المُحتلة، في كل يوم جمعة يتجمع الغزيّون العُزّل أمام الجُند المدججين بالسلاح خلف عدسات القنص المثبتة فوق أسلحتهم، حاملين أحلامهم وتطلعاتهم بالعودة إلى فلسطين، متظاهرين عُزّل إلا من إرادتهم التي لا تموت، وحقهم الذي لا يُنسى مع الوقت، ومُغيرين بذلك صورة غزة في ذاكرة العالم الذي اعتادها - بعد مقاومتها لثلاثة حروب شنّتها قوات الاحتلال الصهيوني بحقها- عنوانًا للمقاومة المسلحة دون غيرها من أشكال النضال. فكانت المسيرات في بدايتها محط أنظار وترقّب الكثير، وتساءل الجميع عن غزة: ماذا تُخبئ في جعبتها هذه المرّة ؟

تركت هذه المسيرات الكثير من القصص والتفاصيل لتُروى، كان الدم الفلسطيني شاهدًا على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المتظاهرين فيها، حيث قتل خلالها قناصو الاحتلال حتى الآن 174 فلسطينياً، وأصابت رصاصاتهم المتفجرة وقنابل غازهم المسيل للدموع حوالي 19,600 مُتظاهراً ومتظاهرة.

أستعرض في هذه التدوينة التي أعددتها ورفيقي ياسر عاشور بعضًا من القصص التي علقت في الذاكرة، من مسيرات العودة الكُبرى.


محمد أيوب | الطفل والعاشق والشهيد

في وجود الاحتلال، ليس غريباً أن يستباح دمك لمجرد أنك تشارك في مظاهرة أو مسيرة سلمية، بل هي بطولتهم التي يتباهون بها ! هكذا سفك جنود الاحتلال دم الفتى محمد أيوب، الذي لم يتجاوز عمره 15 عامًا. كان وجوده في المسيرة وحده قد أعطى الضوء الأخضر للمليشيات الصهيونية لاستهدافه وقنصه، "لم يكن يحمل سلاحاً أو حجارة، أو أي شيء آخر"، يستنكر أبوه إبراهيم أيوب. ولكن، هل يأبه هؤلاء بحمله السلاح أو الحجارة يا أبا محمد؟

محمد الفتى الصغير، كان واقفا كالوتد أمام الحدود، عيونه ترحل إلى ما خلفها، وروحه المشتاقة تحلق في سمائها، كان طفلاً على أية حال. استشهد محمد وهو يرتدي قميصا بلون دمه، وبنطالاً رَسم عليه إشارة حب، رُبما كان عاشقًا، لكن رصاص من دأبوا على الغدر قتل هذا الحب الجميل.



فادي ابو صلاح | ثائر على كرسي متحرك

سار التوأمان ياسر وزياد أبوصلاح - 7 سنوات- إلى جانب والدهم فادي على كرسيه المتحرك إلى مخيمات العودة على حدود غزة الشرقية، بينما كانوا يجلسون حول والدهم المقعد على كرسيه الذي لازمه منذ أن استهدفته صواريخ الاحتلال الصهيوني  قبل عشر سنوات.


فرقتهم رصاصةٌ انطلقت من أيادٍ مرتجفة وجبانة سرقت فادي من أطفاله، و إلى الأبد، في نفس التاريخ الذي حرمته فيه من قدميه قبل عشر سنوات من استشهاده، يوم  14 مايو/ أيار عام 2008. نزفت دماء فادي على كرسيه المتحرك ليبقى هذا الكرسي على عتبة منزلهم شاهدًا على مجزرتين بحق صاحبه.

صابر الأشقر | أيقونة مسيرات العودة

عند استشهاد فادي أبو صلاح، انتشرت صورةٌ شاهدها العالم أجمع لشاب مقعد على كرسي متحرك يلقي بحجارته من مقلاع يدويّ على الاحتلال، هذا الشاب يدعى صابر الأشقر، وهو مايزال على قيد الحياة، لكن الصورة انتشرت على أنها للشهيد فادي أبو صلاح، وهذا ما جعل من اسم فادي وصورة صابر أيقونةً شاهدها الملايين حول العالم، وحملها المتظاهرون في مختلف المدن، وظلّت الصورة عالقة في مخيلة كل من شاهدها.


صورة ذات صلة


ياسر مرتجى | عين غزة وابنها البار
البسّام دومًا، قنّاص اللقطات الجميلة لغزة وأهلها من عين عدسته التي لا تلتقط شيئاً إلا وبدا حُلوًا مثله، الصحفي ياسر مرتجى ابن غزة البار وصاحب سكان المدينة البائسة، لم يسبق وأن شاهده أحدًا إلا وكان مبتسمًا.

يجول في أزقة غزة حاملًا كاميرته ويصوّب عدسته إلى ما لا يلتفت إليه غيره في المدينة، يسجل لنا تفاصيل الحياة فيها. حتى عندما صوّر الموت، أبدع ياسر في التقاطِ صورةٍ عن الحياة لا ننساها، فوثق لنا عملية إنقاذ الطفلة بيسان ظاهر وعائلتها من تحت الأنقاض بعد قصف منزلهم من طائرات الاحتلال الصهيوني، وصنع من هذه القصة الفيلم الوثائقي "بيسان".

كان ياسر أول غزّي التقط لغزة صورةً من السماء بكاميرته الطائرة التي امتلكها مع رفيق دربه الصحفي رشدي السراج، وظل حلمه أن يلتقط صورةً لغزة بينما هو محلق في سمائها ، فحملته السماء بين غيماتها موشحًا بعلم فلسطين، ليأخذ تلك الصورة التي لن يراها إلا هو، أوليس من حق الحالم أن يرى حلمه وحيدًا ؟

رحل ياسر وهو أول شهداء الجسم الصحفي في مسيرات العودة، رحل مرتديًا شارة الصحافة التي لم تشفع له من لؤم عصابات الاحتلال، وبقي رشدي يكمل الطريق في مشروعهم الجميل "عين ميديا".




مصطفى الرنتيسي  | صوت العبور إلى يبنا

صوت العبور والعودة إلى يبنا، الطفل مصطفى الرنتيسي صاحب الـ 12 ربيعًا، شارك في مسيرة العودة الكبرى مع أصحابه، وكان من أصحاب الحظ الذين تمكنوا من عبور السلك الزائل نحو فلسطين المحتلة.
دخل مصطفى البلاد، فاستعادها حرةً لدقائق معدودة وحسب، وعادت إليه كطفلة مدللة سرقها الليل من أهلها. بدخوله البلاد، يمثل مصطفى قول الشاعر:
لو صادَفَ الجَّمعُ الجيشَ يقصدُهُ 

فإنّهُ نَحوَ الجّيشِ يندفعُ

فيرجع الجُّندُ خطوَتَينِ فَقَط

ولكِنْ القَصْدُ أنّهُم رَجعوا

أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ

والقوم عزلٌ والجيش مُتْدَرعُ

ويصبح الغاز فوقهم قطعاً
  
أو السما فوقه هي القطعُ

بمجرد العبور، فتح مصطفى كاميرا هاتفه النقال وبدأ بالتسجيل والدموع تتساقط دون إذنٍ، لا من شدة الغاز بل من شدة الشوق إلى فلسطين، لم يتخيل لمرة واحدة أن يدخل بلاده بهذه الطريقة، ينادي بالدمع : «مرقوا مرقوا (دخلوا)... الله أكبر». وكبّر معه كل من شاهد المشهد القصير لفلسطين بعدسة مصطفى.
عاد مصطفى لاحقًا بفيديو آخر حين أسقط الشباب طائرة محملة بقنابل الغاز كانت تلقي غضبها على المتظاهرين .. بنفس الصرخات ينادي مصطفى: "الله أكبر .. نزلنا طيارة .. الله أكبر". فمتى يُصور لنا مشهد التحرير ؟



رزان النجار | ملاك الرحمة
كما لم يسلم منها الصحفي، لم يسلم منها المُسعف أيضًا .. رصاصات تلو الرصاصات يقذف بها الاحتلال في صدور المتظاهرين شرق غزة، دون سبب سوى أنهم أرادوا القول "لا" وطالبوا بعودتهم إلى ديارهم.
من منّا لم يسمع برزان النجار؟ المسعفة النشيطة، أو كما سُميت "ملاك الرحمة". رزان ابنة 21 عاماً شاركت في مسيرة العودة منذ أيامها الأولى، وأخذت على عاتقها أن تتطوع في علاج الجرحى والمصابين ميدانياً. برزت في عدة صور وفيديوهات وهي تضمد الجراح وتسعف المصابين.

"أنا هنا على خطوط التماس، أُشكّل درعاً بشرياً، جئت إلى هنا وقد امتلكت الجرأة والقوة لأنقذ أرواح إخواننا هنا، ورغم تعرضي للإصابة والكسر في يدي رفضتُ أن أضع الجابصين حتى لا يعيق حركتي".

شُجاعة .. هذه الكلمة أقل ما يًصف رزان، لكن الرصاصة التي اخترقت جسدها جاءتها غدرا من الظهر ! القاتل جبان، لكنه يبقى مجرماً قبل كل شيء، رصاصة واحدة في الظهر أعلنت نهاية مسيرة العمل الإنساني التي بدأتها رزان مع فريق الإغاثة الطبية الفلسطينية، نزف الدم على الشارة البيضاء فصار لونها قانياً بلون الدم الطاهر.
في الجمعة التي تلتها، ارتدت أم رزان ذات الشارة وذهبت إلى شرقي بلدة خزاعة حيث استشهدت ابنتها وأكملت الأم مسيرة الابنة الشهيدة إلى جانب زملائها فرسان العمل الميداني.



حسين سالم أبو عويضة | بائع البراد
أزعجهم صوته، هددوه عبر مكبرات الصوت، لم يصمت، فقتلوه. حسين أبو عويضة، استشهد أثناء وقوفه عند عربة بيع البراد خاصته، والتي جاء بها من أجل المتظاهرين في غزة، سمعه المتظاهرون يردد تارة: "يا ابن اليهودية، اجينا هنا ومش مروحين"، وتارة يصيح "الله أكبر". حاول جيش الاحتلال إسكاته عبر مناداته بمكبرات الصوت، ولما رفض، أسكتوه بالرصاص.
جيش الاحتلال لا يستهدف فقط من يحمل سلاحه في وجه طغيانهم، فكل أشكال المقاومة محرمة في شرعهم؛ كل من يحاول أن يصدهم، بجسده، إيماءاته، أو حتى بصوته - مُدان ودمه عندهم مهدور.

نتيجة بحث الصور عن حسين سالم أبو عويضة


عبدالفتاح عبد النبي | حامل الكوشوك
لم يقترب منهم، كان يركض لإحضار الكوشوك، وعندما وصل إليه والتقطه، عاد أدراجه مسرعاً ليأخذ مكانه بين أصحابه، ولكن رصاصة الاحتلال كانت أسرع بالاستقرار في جسده!
التقطت عدسة المصورين إجرام جيش الاحتلال أثناء قنص الشاب عبد الفتاح عبد النبي، ابن 19 ربيعاً، حيث ظهر في الفيديو وهو يركض ليستلم الكوشوك من صديقه الذي كان يجري تحت أمطار الرصاص، تفادى أربع رصاصات منها أثناء عودته إلى المتظاهرين حاملاً الكوشوك معه، لم تكن تفصلهم عن المتظاهرين سوى بضعة أمتار ورصاصة واحدة اخترقت جسد عبدالفتاح لترديه شهيداً. في الجمعة التي تلت استشهاده، جمّع الناس في غزة المئات من إطارات السيارات وأشعلوها على الحدود أمام عيون الجنود، حتى صارت غزة السواد الأعظم في عيون الاحتلال.


وصال الشيخ خليل | أول شهيدة
على مائدة العشاء الأخير، كانت تمازح إخوتها قائلة: "قد تكون هذه هي اللقمة الأخيرة لي بينكن، قد أعود يوم غد شهيدة!".
يقولون إن المرء يشعر بدنوّ أجَله، فهل شعرت وصال بذلك؟ استعدت وصال لليوم المرتقب جيداً، وودّعت أهلها بطريقتها الخاصة، فأهدت إخوتها آخر ما تبقى لها من مدّخراتها ليبتاعوا الحلوى، وغنّت لأمها مهنّئة إياها بيوم ميلادها الذي يصادف نهاية مايو، هل كانت تعرف أنها لن تتمكن من حضور ميلاد أمها؟
مثلما تشبثت بحلم العودة إلى اللغة العربية الفصيحة والتحدث بها، تمسّكت ابنة "السوافير" بحق العودة إلى بلدتها السليبة، ولم تتنازل عنه... شيء ثابت لا يمكن زعزعته. توجّهت وصال إلى مسيرات العودة منذ الساعات الأولى لبدء الفعاليات، وشرعت بمساعدة الناس والشباب هنا وهناك، وما هي إلا ساعات حتى أصابها جنود الغدر والاحتلال برأسها، لتكون أول شهداء مسيرات العودة.


تحرير ابو سبلة | الشهيد المغدور
أحدهم يقاوم بيديه، وآخر يقاوم بجسده، أو بصوته، وهناك من يقاوم بقلبه (وكلّه) - وهذا ذروة الإيمان!
الشهيد تحرير أبو سبلة حامل شارة النصر، لم يتجاوز عمره 18 سنة، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة إذ كان يعاني من الصمم. 

كان يسير بمحاذاة المتظاهرين قرب السياج، ويشارك بنقل الإطارات المشتعلة، ويعود ليقف أمام جنود الاحتلال ماثلاً بجسده، ورافعاً شارة النصر بأصبعيه، وهي ذاتها الشارة التي لوّح بها أبوه عندما خرج من سجون الاحتلال بعد أن قضى فيها 13 سنة قبل أن ينال حريّته المسلوبة. ثم يأتي جيش الاحتلال لاحقاً ويسلب "تحرير" من أباه!
استشهد تحرير بعد أن أصيب في رأسه مباشرة، فكانت حرية مقابل تحرير، (وما بدلوا تبديلا).


محمد ابو عمرو |  رسام البحر
نحّات غزة المبدع، ومن لا يعرف محمد أبو عمرو، الذي اعتدنا رؤية لوحاته الفنية على شطئان غزة بيديه؟ كان يرسم عبارات التفاؤل والنصر وأسماء القادة والشهداء ومن قضى فداءً للوطن أسراً أو شهادة، ليبقى بحر غزة شاهداً عليهم جميعاً.
شارك محمد في فعاليات ذكرى الأرض، وانضم إلى قوافل المشاركين قرب الحدود الفاصلة. وهناك، غرس العلم الفلسطيني، وهناك أيضاً، روّى ذات البقعة من الأرض بدمه، حيث أصابه جنود الاحتلال بعد اقترابه من السياج ليستشهد فوراً.
محمد ليس الفقيد الأول لعائلته، فأخوه إيهاب استشهد في حرب غزة 2008، وقضت والدته بعد أن أصيبت بالسرطان، والآن يتبعهم محمد.

"سلم لي على أخوك يابا"، هكذا ودّعه أبوه في المستشفى، بعد أن أدرك أن ابنه مفارق، كما ستدرك رمال غزة وبحرها بأن اليد التي اعتادت عجن ترابها ونحت تلك اللوحات الجميلة، لن تعود أبداً.




هيثم الجمل | عيد على الحدود
يفصله أسبوع واحد عن عيد الفطر السعيد، لكنه لم يرغب بشراء ثياب العيد، وكأنه - كما وصال- كان يشعر بالمصير الذي ينتظره! عاندته أمه واشترت له حذاءً جديداً رغماً عنه. ولكن يبدو أن هيثم كان أكثر إصراراً وعناداً من أمه، حيث أوصاها بأن تهدي الحذاء الجديد لأحد أصدقائه إذا لم يعد، ولسان حاله (العيد يا يمة لما بلادنا بتعود).
مضى هيثم بقلبٍ قوي إلى المسيرة، بعد أن ودّع إخوته، وأمه، وطلب منها ألا تحزن. وماهي إلا ساعات حتى عاد إليها شهيداً مع ثلاثة آخرين.



"يـا يمة .. بثوب جديد
زفيني .. جيتك شـهيد
جـيتك شهيد، بثوب العيد
زفيني وافرحي فيني
وان تركتك سامحيني
يـا يمة.. لمّي دمعاتك
فـرّحيني بضحكاتك .. يـا يـمة"

ياسر ابو النجا | وحيد والديه
كانت أمّه تنتظر عودته مع المشاركين في فعاليات مسيرات العودة. عاد ياسر، لكن بسيارة الإسعاف منقولاً إلى المستشفى بعد أن استشهد. الطفل ياسر، ابن 12 سنة، شقيقٌ لتسع بنات: هو فرحة العمر، ومنى العين، جاء إلى الدنيا بعد طول انتظار وترقّب، ولكنه ما لبث حتى غادر. أصاب جيش الاحتلال ياسر في رأسه بعيار متفجر أدى إلى تساقط أجزاء من رأسه بشكل مروّع. وهكذا سرقوا حياته وطفولته وفرحة أهله كما سرقوا أرضه من قبلها جميعاً.



صالح عاشور | مودعاً حبيبتاه
ذهب الفتى صالح عاشور إلى مسيرات العودة على الحدود الشرقية لغزة مبصراً، وعاد فاقداً للبصر جرّاء إصابته على الحدود. حتى وقتٍ متأخر، لم يكن يدرك صالح أنه فقد بصره تماماً، وكان يظنّ بأنها محض إصابة بفعل قنابل الغاز التي أصابه بها الاحتلال، وهو الآن حبيس المستشفيات يبحث عن خيط أملٍ يعيد له ما فقد.


نتيجة بحث الصور عن صالح عاشور غزة


الشهيد ساري الشوبكي | مجهول رقم واحد
في كل مرة ينجح الدكتور داوود الشوبكي بمعالجة مرضاه وجرحى غزة، انتابه بالتأكيد شعور بالفخر والفرح لمساعدته الناس على الاستمرار بالحياة دون وجع، وساهم في إنقاذهم من موت محقق.
لكنّ حقداً صهيونياً حال دون أن يعيش الدكتور داوود هذا الشعور مع أعز الناس على قلبه، ابنه ساري! الذي وجده مرميًا على بلاط مستشفى الشفاء ودمه يُغرق المكان من حوله وقد كُتب بجانبه "مجهول رقم 1"، استحضر أبوساري كُل قوته وعلمه وقبلهما استحضر أبوّته ليُنعش ابنه من موت مُحقق. أنقذ حياته ثلاث مرات في غرفة العمليات بمستشفى الشفاء بغزة، فكان الأب الطبيب يحصي دقات قلب ابنه على مدار الساعات. وبعد أن استقرت حالته الصعبة أخيراً، عادت وساءت من جديد فاضطروا لنقله للعلاج في مستشفيات الداخل الفلسطيني المُحتل التي فارق الحياة فيها بسبب خطأ طبي. عاد ساري شهيدًا تودعه حبيبته غزة ودموع والديه وكل من عرف بقصته.


آدم سالم | مختطف في المستشفى

كان آدم واقفاً قرب الحدود الشرقية لغزة حين قنصه جنود الاحتلال في قدمه واختطفوه بعد أن ضربوه على رأسه حتى فقد وعيه تماماً. استيقظ آدم ليجد نفسه داخل مستشفى بيرزلاي الجامعي. يقول: "شعرت بأن الأطباء أجروا لي عملية جراحية"، ولكن أياً منهم لم يطلعه على تفاصيل حالته. وهناك، اعتدَت عليه ميليشيات الصهاينة في داخل المستشفى حتى أنهم صعدوا على سريره وداسوا على قدمه المصابة بقوة وبعنف زيادةً في التنكيل. لم يوفّر العدو وسيلة إلا واستخدمها لإيذاء آدم، فقد حرموه في المشفى من المسكّنات الطبية، وحاولوا خنقه من خلال رش غرفته بالروائح الكريهة والقاتلة، ومنعوه من الاتصال بأهله، كما هددوه بأكثر من مرة بقصف بيته في حربٍ قادمة.



أعيد آدم إلى غزة بعد أسبوعين من اختطافه، وهناك، في مستشفى الشفاء، وجد الأطباء أن قدم آدم متعفنة وبحاجة للبتر الفوري، وأجريت له عملية عاجلة لإنقاذه من الغرغرينا التي تسبب بها الإهمال الطبي المقصود في بيرزلاي عند مَن لا ترف جفونهم لطفلٍ مُصاب، ووحيد.

الشهيد احمد أبو طيور | ضرغام
"الضِرْغام".. لقبٌ ارتبط بالطفل أحمد مصباح أبو طيور؛ فرغم حداثة سنّه إلا أن شجاعته جعلت منه أيقونة مسيرات العودة شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة؛ يتقدم أمام الجند في كل جمعة - وهو الذي لم يغب عنها جمعة واحدة- ويشعل الإطارات المطاطية مُحاولًا حماية المتظاهرين من رصاص قناصة جيش الاحتلال الإسرائيلي. وكان آخر شيء فعله رفْعُ شارة النصر في وجه قاتله.


اُعلن عن استشهاده في المستشفى الأوروبي بخانيونس بعد إصابته في الوريد الرئيس بالرصاصة. "الضِرْغام" أحمد، كبير أشقائه الأربعة (أميرة ومرح وحسن ونضال) ومُعيل بيتهم في ظل الظروف الصعبة التي تمر بغزة، تحمّل مسؤولية أسرته الفقيرة باكرًا، واضطرته الظروف إلى ترك المدرسة في الصف الرابع الأساسي، ليتمكن من إعالة أسرته، وعمل لسنوات في مطعم شعبي مقابل عشرة شواقل يوميًا (نحو 2.5 دولار). استشهد احمد … ليظلم البيت في حُزن لا ينتهي.

***
سيل من الأشجار في صدري
أتيت .. أتيت
سـيروا في شوارع ساعدي تصلوا
وغـزة لا تصلي حين تشتغل الجراح على مآذنها
وينتقل الصباح إلى موانئها، ويكتمل الردى فيها
أتيت .. أتيت
قلبي صالحٌ للشرب
سـيروا في شوارع ساعدي تصلوا
وغـزة لا تبيع البرتقال لأنه دمها المعلّب
كنتُ أهرب من أزقّتها،
وأكتب باسمها موتى على جميزة،
فسبحان التي أسرت بأوردتي إلى يدها !
أتيت .. أتيت
غـزة لا تصلي
لم أجد أحداً على جرحي سوى فمها الصغيرُ
وساحل المتوسط اخترق الأبد
 -محمود درويش
***

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تشفير البيانات: هل يطلع أحد على مراسلاتك؟

اسطرلاب |  هل تصوّرت يوماً أنّك لن تتمكن من إجراء محادثة مع صديقك أو أحد أفراد عائلتك دون أن يستمع لمكالمتك هذه جيرانك في الحي، أو زملاؤك في العمل، أو أحد أقربائك؟ أو أنّ محاولتك لإيصال رسالة خاصة لشخصٍ ما قد تصل ليد العشرات قبل أن يقرأها الشخص المطلوب؟   تخيّل انّ مصيرك، وفي ظروفِ حربٍ صعبةٍ مرهونٌ ببرقيةٍ يرسلها قائد الجيش في منطقتك إلى الجنود في منطقةٍ أخرى بسلام دون أن يعترضها الجواسيس والمتربصون! حسناً، لقد حصل هذا بالفعل في الحرب العالمية الثانية، حيث كان الألمان يتواصلون مع جنودهم ويرسلون الأوامر إليهم عبر آلة تشفير تسمى إنيجما Enigma. كانت الإنيجما سلاح الألمان وترسهم المتين الذي يتواصلون عبره مع جندهم ويرسلون إليهم أوامرهم وخططهم لمدة سنتين، ورغم وقوع بعض هذه الرسائل المشفرة بأيدِ الحلفاء غير أنهم لم يتمكنوا من حل شيفرتها وفهم محتواها. آلة إنيجما Enigma إنيجما – سر الألمان في الحرب العالمية الثانية هل يمكن للحلفاء فك تشفير الرسائل بمجرد حصولهم على الآلة؟ في الواقع، استطاع الحلفاء الحصول على هذه الآلة، غير أنهم لم يتمكنوا من فك شيفرتها، وذلك لأن إعداداتها تتغير

الروبوت جاسوساً: هل تحمي نفسك من الذكاء الصناعي؟

اسطرلاب  |  العالم يتغير سريعاً جداً، وما كان مستحيلاً بالأمس أصبح اليوم معقولاً بل وعادياً. فمن كان يتخيـ ل وجود حاسوب ذكي يستطيع تحديد نوع جنسك من خلال ابتسامتك؟ أو التعرف على وجهك من بين مئات الوجوه؟ أو حتى بناء تصوّرٍ كامل عن شخصيتك واهتماماتك من خلال تصرفاتك وأدائك على الإنترنت؟ هل كنت تعتقد قبل عشرين سنة بإمكانية رفع ملف تحرير النصوص وحفظه على الإنترنت من بيتك لتقوم بتحميله في المقهى أو تحريره مباشرة أثناء مشاركته مع زميلك؟ إنها ثورة التكنولوجيا! الموجة التي يحب الجميع أن يركبها لما تقدمه لهم من امتيازات لم توجد في أي عصر سابق. ولكن، كم ستخدمنا هذه الامتيازات قبل أن تضعنا في اختيار صعب بين خصوصيتنا وبين هذه الإمكانيات الحديثة؟ هل تظن أن في الأمر مبالغة؟ اقرأ واحكم بنفسك!   حماية الهوية الشخصية أصبح كل من الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence وتعلم الآلة Machine Learning موضوعات هامة وساخنة في القطاع التكنولوجي، حيث يتم متابعة ومناقشة القضايا المتعلقة بها بشكل يومي. ولكن، كيف تؤثر هذه التكنولوجيا في أماننا على الانترنت؟ بداية، لا بد من التمييز بين ت